يحتوي الكتاب علي:-
محتوى كتاب “قضايا الإبداع بين اللغة والأدب”
يرتبط الإبداع باللغة العربية بقوة الترابط بين مكوناتها وفروعها حتى يصل الكاتب إلى الوظائف الجمالية والتعبيرية المنظمة والمبتكرة ولن يأتى هذا إلا بحُسن توظيف العوامل اللغوية التي تصل بمستعمليها إلى مستو راق من مستوياتها المتعددة وهو المستوى الإبداعي، والتي تحددها الثقافة والقدرة على اكتشاف أسرار اللغة. ولعل ما نقصده هنا هو القدرة على إعادة تشكيل اللغة من حيث المفردات والتراكيب بصورة متجددة، تثري القاموس العربي، اعتمادا على مستويات اللغة من صرف وصوت ونحو ودلالة بمعان جديدة وأساليب مبتكرة تقود إلى الطلاقة والمرونة والأصالة.
وقد استحدث علم اللغة فروعا مختلفة، تخدم دراسة اللغة الأدبية، مثل علم الأسلوب أو علم اللغة الأسلوبى، وعلم اللغة النصى، وهى فروع اجتهدت جميعا فى تخليص التحليل اللغوى للأدب من آفة الانطباعية والسطحية من ناحية، كما حاولت أن تجعل لكل جنس أدبى، كالشعر والرواية والمسرحية، أسسه ومعاييره الخاصة فى التحليل من ناحية أخرى.
والتكامل بين علوم اللغة العربية، وبين فنونها الأربعة، يرجع إلى طبيعة اتحاد المادة اللغوية في ذاتها، وإلى الاستعمال اللغوي، الذي يأخذ اللغة بجملتها، ودون انتقاء لعلم دون آخر، أو فن دون غيره، وتبرز صورة داخلية للتكامل فيما يمكن رصده من تكامل بين النحو والبلاغة، حيث تربطهما صلات عميقة، تستمد كينونتها من طبيعة اللغة، ومن طبيعة العلمين معًا، ومن فاعليتهما معًا في البناء اللغوي، وكونهما أساسًا فيه.
وقد انطلق الكاتب من تلك العلاقة المتميزة بين النحو والبلاغة، مستهدفًا تحويل هذه الصورة النظرية للترابط بينهما إلى صورة إجرائية في صورة منهج يجمع بينهما، ويستلهم أطره من المعالجة اللغوية المتكاملة .
وهكذا نجد أنفسنا أمام النحو البلاغي الذي يتصل بإنتاج اللغة، وتذوق أدبها، أي: أمام فكر لغوي نظري (النحو البلاغي) له فاعليته وكينونته في الاستعمال اللغوي، والتلقي، أي: في إنتاج اللغة وتذوقها.
وقد دفعني إلى تناول هذا الموضوع ما أحسست به من وجود فصل بين ركني البناء اللغوي (النحو والبلاغة) في واقع تدريس اللغة العربية؛ أدى إلى ضعف الطلاب في إنتاج اللغة، والتعبير بها، وإلى عجزهم عن استخدامها في مواقف الخطاب المختلفة .
كما كان لذلك مردوده على تذوق الطلاب للنصوص؛ حيث يعجز الطلاب عن تناول النصوص الأدبية بالفهم والتحليل والتدقيق؛ وكل ذلك نتيجة طبيعية لابتعاد تدريس اللغة عن ممارستها الطبيعية، وعن الاتجاهات الحديثة في تعليمها، وهذا ما دعت إليه مؤتمرات كثيرة، ودراسات متعددة، بضرورة تدريس اللغة بصورة تساير طبيعتها ؛ حيث الوحدة والتكامل بين فروعها .
ونرى أن الدراسات التي سعت إلى تنمية مهارات الإنتاج اللغوي، وبخاصة الإبداعي، والتذوق الأدبي من مستوياته المتعددة، من الندرة والقلة بما يستوجب القيام بدراسات أخرى فضلًا عن أن تناولها معًا من منظور النحو البلاغي ليس مسبوقًا، وهذا يؤكد أهمية هذا الموضوع، ومدى الحاجة إليه في مجال وضع مناهج لغوية في إطار التكامل بين النحو والبلاغة والأدب، وإلى تحديد المهارات السابقة، والعمل على تنميتها .
والمحاور الأساسية التي يدور الموضوع الحالي في فلكها هي النحو البلاغي، والإنتاج الإبداعي، التذوق الأدبي، ونسعى من الناحية النظرية والتطبيقية إلى إيجاد علاقة الترابط والتكامل بين هذه الثلاثة، وهذا ما يعالجه هذا الكتاب .
وأما عن محتوى هذا الكتاب فإنه يأخذك إلى مادة لغوية وتربوية حديثة، يحتاج إليها الدارس واللغوي، والتربوي، وكل طلاب العلم .
وقد انصب اهتمامنا هنا على تناول الإنتاج الإبداعي وكيفية تحققه، وذلك بالوقوف عليه، ومهاراته المختلفة، وعلاقته بالمناهج وطرق التدريس، وتضمن ذلك تحليل العلاقة النظرية بين النحو البلاغي والإنتاج اللغوي، وفاعليتهما في عملية الإنتاج، ثم تناول عملية الإنتاج ذاتها، من حيث مجاله، وطبيعته، وعلاقته بخصائص اللغة، ثم مناقشة عملية الإنتاج من الزاوية الإبداعية اللغة، وماهية الإبداع الكتابي، وسمات الطالب المبدع .
واقتضت المعالجة تناول مكونات الإنتاج الإبداعي، وتفصيل كل مكون، وخصائصه، وصفاته من منظور عناصر الاتصال.
ثم كان التناول التفصيلي لمهارات الإنتاج اللغوي، حيث تصنيفها وتناولها بصورة تحليلية، والتوقف عند قيامها وتنميتها وسبل ذلك.
ثم عولج الشق الآخر (التذوق الأدبي) من حيث طبيعته، وعملياته، ومكوناته، ومهاراته، وصلته بالمناهج وطرق التدريس، حيث عرض له ببيان علاقته بالنحو البلاغي، وفعاليته بالأخير في النص الأدبي، وطبيعة النص، وسمات لغته، واعتبار ذلك مدخلًا للتذوق، الذي عرضت له الدراسة من حيث طبيعته ومصطلحاته وأهميته، وعناصر النص والتذوق، ومراحل التذوق وجوانبه، ومناهجه .
ثم تطلبت المعالجة تناول المتذوق وأدواره ومهامه، ودور قراءته للنص في تذوقه، ودور النقد في عملية التذوق.
وتلا ذلك تفصيل لمهارات التذوق، من حيث تصنيفها، ودراسة كل مهارة، ثم قياس المهارات وتنميتها، وسبل التنمية، ودور المعلم في ذلك .
ولاكتمال المعالجة، فقد عرض للتذوق من منظور المناهج وطرق التدريس، بنفس العناصر التي جاءت في الإنتاج آنفًا، ثم اختتمت المعالجة النظرية بتناول المتغيرين السابقين (الإنتاج والتذوق) معًا، ودراسة العلاقة بينهما، والتي عرض من خلال أربعة أقسام لها هي: العلاقات التأثيرية، والترابطية، والتكاملية، والعقلية، والنفسية .
وقد حرصت في التنظير السابق على التركيز على ما يتصل منه بالجانب التطبيقي، وما يمكن توظيفه فيه، وما يمكن إيجاد مواز له في التطبيق، كما حرصت على تكامل المعالجة، واتساقها، وتسلسلها، وترابطها.