يحتوي الكتاب علي:-
محتوى المحكمات والمتشابهات
نتعايش معكم في موضوعات مهمة حول ( المحكمات والمتشابهات ) في القرآن الكريم , يبدو لنا جميعًا أن هذا الموضوع يبدو شائكًا في البداية ؛ لأنك أمام كلام رب العالمين , وليس معك معيار محدد للحكم على كون الآية محكمة أو متشابهة إلا ببعض الاستنباطات التي توصل إليها بعض العلماء ؛ ذلكم أنه لا يعلم المحكم والمتشابه من الأساس إلا الله سبحانه وتعالى , فهو الذي يعلم تأويل كلامه ما كان محكمًا منه وما كان متشابهًا ﴿َمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ﴾ [آل عمران:7] .
وليس خافيًّا أن الآية التى تلت هذه الآية في سورة “آل عمران” هي دعوة إلى الثبات على الحق ؛ مخافة أن يزيغ الإنسان في قضية صعبة كهذه القضية ﴿ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾ [آل عمران:8] .
وهناك باب مهم في دراسة المتشابهات القرآنية , وهو تجميع المشتقات اللغوية التي تدور حول موضوع واحد وتَتَبُعِهَا في القرآن كله , وقد أخذنا طرفًا من هذه الفكرة في كتابنا هذا في بعض المواضع ولله الحمد, وهو موضوع شِّيقٌ عميق أن تدور مع كتاب الله تعالى , ومع آيات القرآن الكريم حيث دار , وهذا يساعدنا على تثبيت القرآن الكريم في القلوب عندما نسيطر على المتشابهات في الموضوع الواحد , وما أجمل أن تجمع كل الآيات المتشابهة حول موضوع مثل : الغفلة أو الذكر أو النسيان أو الحمد , وتقارن بينهم في القرآن الكريم , وهذا شيء بديع وليس صعبًا , كما أن تجميع المتشابهات وفق هذا الاتجاه يجعل آيات القرآن العظيم طِّيعة أمامك تدور في ذهنك ومع شيء من التمرس , تستطيع أن تدرك مدى الجمال الذي يجده القارئ أو الدارس عندما يستطيع تجميع المتشابهات حول موضوع واحد مع شيء من التثبيت , والتذكر , وارتفاع الهمة , وقوة الذاكرة , ومداومة المراجعة للقرآن الكريم , وسرعة استدعاء المعاني , والالفاظ المتشابهة .
ونستطيع أن نقرر أن الموضوعات التي تناولناها هنا , وهي سبعة وثلاثون موضوعًا في المتشابهات ليست هي كل ما يمكن تناوله في هذا المجال وما تناولناه هو نقطة من بحر وغيض من فيض , والمجال فيه متسع كبير لتناول المتشابهات اللفظية والمعنوية في القرآن الكريم مما يستوجب عمل دراسات أخرى ليس الهدف منها تجميع الألفاظ المتشابهة أو المعاني المتشابهة – وإنما تقوم بالتأمل المدقق في طبيعة التشابه القرآني ؛ وأنه ليس تكرارًا لفظيًّا أو معنويًّا , وإنما هو تثبيت لجانب إعجازي جميل في القرآن الكريم , لا نستطيع التوصل إليه بتفسير الآيات الكريمة التي تدور حول الموضوع نفسه الذي فيه تشابه , وتفسير سياق الآيات الكريمة بمعنى أن التشابه اللفظي والتشابه المعنوي في القرآن الكريم , ليس تكرارًا للألفاظ أو المعاني , وإنما تكتسب الألفاظ والمعاني دلالات جديدة , كلما جاءت في سياق مختلف , وليس هذا تكرارًا أبدًا , وإنما هو خلق لمعانٍ جديدة , وهذا جمال معهود فى اللفظة القرآنية التي تزداد عظمة واتساعًا , كلما جاءت في سياق مختلف عن الآخر .
كما قدمنا نماذج متنوعة على الجانب الإعجازي، وتناولنا موضوعات مثل المتشابهات حول آيات صفات الله – عز وجل – والمتشابهات حول الابتعاد عن مواضع الفتن والمتشابهات حول الشفاء بالقرآن الكريم , والمتشابهات حول كلمة “الرب” والمتشابهات حول الطير في القرآن الكريم , والمتشابهات حول الهداية في القرآن الكريم , والمتشابهات حول الرجوع إلى الله تعالى في القرآن الكريم …. إلخ
هذه النماذج من الموضوعات التي عرضنا لها ما هي إلا أمثلة حول كيفية تناول المتشابهات في القرآن الكريم ؛ تيسيرًا للمعاني وتقريبًا إلى الأفهام .
وفي جميع الأحوال فإن الأساس الركين في تناول موضوع المتشابهات في القرآن الكريم هو علم التفسير الذي يفتح لنا بابًا للفهم , واستنباط المعاني , وتوضيح دلالات المتشابهات القرآنية ؛ ولذا فنحن في حاجة إلى دراسة علم التفسير ؛ لكي يكون عونًا على فهم المتشابهات وأسرارها ودقائقها , والحكمة منها .
وإن شاء الله تعالى أتمنى أن يوفقنى الله تعالى في المستقبل لعمل أجزاء أخرى من هذا الكتاب لتقديم المتشابهات القرآنية بمعالجة جديدة وباستنباط جديد , وكل هذا من أبواب التامل في القرآن الكريم , وكلما ازددنا فهمًا للقرآن الكريم؛ ازددنا إيمانًا ويقينًا, وثباتًا وعلمًا بالله عز وجل .
وهذا جهد المقل , واجتهاد الضعيف , فإن كان من توفيق فمن الله عز وجل الذي بنعمته تتم الصالحات , وإن كان من تقصير ونسيان , وغفلة وزلل فهذا من نفسي ومن الشيطان , وهذا من تقصيري دون قصد أن تعمد ﴿ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ [البقرة:286] .